كثر هم أولئك الذين يحبونني وقلة هم أولئك الذين يفهمون عوالمي الخاصة ونبرات روحي الصامتة .
يقال أن الله ينزل الصبر على قلب عبده قبل البلاء فإذا أخذ من امرءٍ شيئ يحبه عوّضه بخيرٍ منه ، ربما كانت أقدار الحياة أن أفقد الرجل الذي عشقته حدّ الموت .. ذلك الرجل الّذي احتلّ مني الروح والفؤاد والكيان استوطنني لآخر العمر فبركان حبّه في قلبي لا انطفاء له وليس للموت أن يخمد ثوران عشقي له ، ربما لم أكن نعم الوفيّة لهذا العشق ولك أكن نعم المخلصة لهذا الحب ولكن هذا لا ينفي أن حبّه منغرس في شيفراتي الوراثيّة وكأنه ولد معي، كان فقده مؤلم ألم يجبرك على الصمود في وجهه ألمٌ يجبرك أن تكون كالذئب كلما ازداد ألماً ازداد شراسة وأنا كان لا بدّ لي أن ازداد شراسة في وجه الحزن أكره نفسي في ثياب اضعف لذلك أجربها على القوة حتى لو كان تمثيلا ، فقط أمام شخصين أكون أنا دون مكابرة دون تمثيل دون أقنعة أمامهما لا حاجة لي بالكلام لأقول إلى أي مدى أشعر بالوجع لأقول إلى أي مدى تقادم الأيام يحفر فيّ الألم أكثر ، تصغرانني سناً تكبرانني ألماً
تقى .. هدى
عندما أحتاج لشخص يمدني بجسر الأمان بأني لست وحيدة ،ولم يتركني زوجي وحيدة أجد تقى تمدّ هذه الجسور لي، أجدها تقول دون كلامٍ منها أنا دوماً قربك أشعر بك أساندك لا داعي للبوح لأفهمك تكفي نظرات عيونك لأعلم ما في قلبك تصغرني بثمانِ سنين أحبّها عندما تشعرني بأنّها أبي وأخي وأختي وصديقتي وعندما تتعثّر قدماي على عتبات الخطأ لا بدّ لي أن أهرع إلى هذى سراً عنها لتزجرني وتؤنبني تلك التي تصغرني بعشر سنوات ، من قال لكوننا أكبر سناً أعلم بالصواب والخطأ هي ترهات اخترعناها لنتسلّط بها على من هم أصغر منّا سناً ، تعجبني قوّتها وهي تقول الصواب وأنا أحاججها وكلّي يقين بأنّي مخطئة أشعر أمامها كالتلميذة وهي المعلمة الّي أخذ منها العمر سنين طوال وأمدّها بالحكمة الوفيرة ، تلك المشاكستان أشعر معهما أنّي طفلة ما زالت تلهو غير مكترثة بما يدور حولها، لكم أعشق عندما أشعر نحوهما بالأمومة وأنا أحاول أن أمدّهما بالحنان والعطف، أن أمنحهما ما يعجز الآخرين ممن حولهما عن منحه ،يثقلني دوماً حمل الأمانة ولكنّهما الأمانة الّتي لا أتثاقل أبداً عن حملها، سأكره نفسي إن تخلّيت عنهما يوماً .
دار حديث بيني وبين هدى عن إحدى قريباتها الأرامل فقلت لها : هي لديها أسرة تحتويها .
فأجابتني مشاكسة : مسكينة أنتِ ليس لديكِ أحد .
قلت : لديّ الله .
قالت : وأنا وتقى .
هي لم تدري بأنّهما يدُ اللهِ الّتي بسطها لي دون سؤال عن أفعالي كانت قبيحة أم حسنة إنّهما الجزاء الأعظم في الحياة، النّاس تعتقد أنّ لديّ ثلاث أطفال لكنّ الحقيقة أنّ لديّ خمس ، ولدان وثلاث بنات ، هما أبعد من ابنتيّ هُما عالمٌ متكامل البناء، وهبه الله لي تعويضاً عما فقدت .
إن أخذتهما الحياة يوماً وأشغلتنا عن بعضنا يكفيني ما عشته معهما من أيامٍ جميلة أضيفها إلى قائمة الأيام السعيدة الّتي عشتها مع زوجي لأكون أوفر نساء الدنيا حظاً ، إنّي محظوظة حقاً ولن يستطيع أحد أن يسلبني هذا الشعور.
شاهدت فيلماً كانت خاتمته مشهد يقف فيه أحد أبطال الفيلم ليودّع أصدقاءه الّذين ماتوا في الحرب، فقال: "نحنُ لا نقاتل لأجل جيوش وإمبراطوريات، نحنُ نقاتل لأجل الرجل الّذي يقف على يسارنا والرجل الذي على يميننا ،فإذا فقدناهم بقيت تلك اللحظات الّتي قضيناها معاً لنتذكّرهم.." وأنا كذلك إذا فقدتهما في دوامات الحياة سأبقى أتذكّر ملاكي الّذي على اليسار ((تقى)) وملاكي الّذي على اليمين ((هدى)) وستبقيان دوماً ملاكيّ الحارسين .
أحبهما في الله ولله وسأبقى أحبهما ما دام في هذا الجسد رمق حياةٍ لم يُزهق !