عطرٌ فرنسيٌ هوَ كلّ مَا تبقّى لِي لأتّتبع أثرها
بعدَ أنْ مرَت قربَ روحي وَهي تتمشى على مرفأ الميناءِ الذي هجرته نوارسُ السعادةِ
هرباً مِن ضوضاءِ البواخرِ المُحمّلةِ أعباء الأيام
وَبعض البضاعة التي نَبع مُقابل شرائِها أرواحَنا وأحياناً طهرنا
لنحظى بالنهايةِ ببعضٍ منَ الدراهمِ لا تَقينا وَحْشةَ الطريقِ وَلا قسوةَ القلبِ
كان عِطرُها مميزاً وكأنّ صنّاع العطرِ في فرنسا قَد جَدّوا في صُنع عطرٍ لها وحدَها
أو أنّ العطرَ عادي وَهِيَ مَنَحَتهُ وِسامَ الفروسيةِ
فغدا يحوي أثيرَ كلّ الزهورِ البريّةِ وَعبَقَ كلّ البحورِ وَتلك اللمسة التي تُزكّيهِ بالمسكِ لحظةَ يخاطبُ جسدَها طالباً الإذنَ بأنْ يكونَ سفيرها في الريحِ ليكونَ مُتحدّثها الرسميّ في أنفي ليعْبَقَ بعدَ ذلكَ في قَلْبي
سأحملُ فِرشاتِي وأرسمها آه ما لونُ عينيْها لمْ استَطِع النظرَ جيّداً
فَقَد نظرت لها شزة لم أمعن بعد ولم أبحِر في محيطاتِ قزحيتها
وَشعرها ذلك المُدلهم وأكثرَ المنسابِ كالحريرِ
ولكن كَمْ أنا أحمقٌ عيونُها سوداءٌ كعيونِ الحورِ أكيد
كم يُطربني وقْع خُطاها وتُدهِشني
مشيتُها الممشوقةُ الممزوجةُ حُلماً وَسِحراً وَخَيالاً
قُل لي صَديقي أيُعقل أن تَهواني وأهواها ؟؟؟
_ العشقُ لغةٌ لا يَفْهَمُها البشر سلِ الطيورَ فقدْ حَوَت كلّ أسرارِ الكونِ بينَ جناحَيْها
وحلّقَت بِها هُناكَ عالياً في السماءِ بعيداً عَنّا فَبِتْنا في حيرةٍ وَخوفٍ دوماً ألا نجدُ البابَ السريّ لِتِلك الحديقة السرية في تفاصيل كينونَتِنا البشريّة
_ دَعْني أبوحُ صديقي دَعْني أبوحُ لَو تَدْري العشق ماذا يفعل بالمرءِ يا صاح
ويح كلّ العطورِ الفرنسيةِ لماذا اختارتك رسول يا فاتنة العصور
أرجوك دعني أبوحُ لكَ فلم أتعلّم فنونَ القتالِ وَلم أدي بعدَ خِدمَتي العسكريّة في مُعسكراتِ الحُبّ وجُرأته
_ أكملْ لا عليكَ، حديثُك يسري عن نفسي تعلم فأنا لا أبصر لم أرى الدنيا ولا الميناء و لن أرى محبوبتك صديقي
وإلا قلت لك معذور فهي في حُسنها بدر تمام ساطعٌ في زحمة الليل البهيم
أكمل بالله عليك دعْني أرى بعقلي لا عليك سأمنع نفسي من إدراك عطرها بخيالي حتى لا أثير فيك الغيرة
_ غداً نكملُ يا صديقي مَوْعدنا هُنا ككلّ يومٍ على شاطئِ هذا البحرِ الذي هجرهُ البحرُ مِنذ دهور
دعْني أسافر الآن خلف عيونها ومتتبعاً آثار عطرها الدارسة
_ إلى المُلتقى صديقي
وَحَمَل كلّ منها عصاهُ يتلامسانِ بها تضاريسَ الطريق وجغرافيا دربهما
وسار كلٌ في اتجاهٍ وَفي خُلد كلّ منهُما خريطةَ كنزٍ غدا يكتملُ الوصولَ إليهِ .